إعادة إعمار المدن بين الثقافة والأمل

ارتكزت عمليات إعادة الإعمار في المدن التي تضررت خلال الحروب والصراعات الدولية المختلفة أو بعد حدوث الكوارث الطبيعية مثل الفيضانات والزلازل والبراكين على مفاهيم متشابهة جداً والى حد ما كان التوجه الأساسي في ذلك هو المحافظة على المباني القائمة بالمدينة وغير المتضررة والسليمة إنشائياً وإعادة ترميمها على نفس الحال الذي كانت عليه إلا أنه غلب على أكثر تلك المدن محاولة إعادة استخدام تلك المباني لتكون مناطق للعامة وأنشطة متنوعة سواء كانت مراكز أمنية أو مستشفيات أو مقار لعدد من الجهات الحكومية المختلفة أو الخيرية والقليل من تلك المباني من رغب أصحابها بالعودة إليها واستخدامها كمساكن مرة أخرى نظراً لحجم الضرر الذي أصابها أو نتيجة للعوامل النفسية المختلفة, كما أن عمليات الترميم وتكاليفها الباهظة كانت سبباً أضافيا في عدم الرغبة في الاستفادة من تلك المباني ورغبتهم في تسليمها لجهات الاختصاص بتلك المدن لقاء التعويض المناسب إن وجد. كما أنه وللأسف فأن العديد من تلك الجهات لم يكن لديها الوعي الكافي ولا الثقافة اللازمة تجاه محاولات العديد من المختصين ممن يرغبون المحافظة على تلك المباني بقصد التوثيق التاريخي لتلك المباني والحوادث التي مرت بها المدينة في محاولة لجعلها رسالة تتناقل عبر العصور للأجيال المستقبلية تحمل في طياتها فوائد ومنافع ومحددات ومحظورات وكذلك لتعطي انطباعاً عن الحالة التي كانت عليها تلك المدن قبل وأثناء وبعد تلك الأحداث .

إعادة الإعمار للمدن العربية التي تدمرت خلال السنوات القليلة الماضية يجب أن تدرس ملياً حتى لا تستمر المدن في تقديم الحالة البائسة التي هي عليها اليوم والنظرة السوداوية تجاه المستقبل خاصة للأجيال القادمة التي عانت الأمرين بل يجب أن تكون هنالك ثقافة خاصة بإعادة الإعمار وتكون مرتكزة على الأجزاء الأكثر تضرراً من المدن كنقاط بداية تجاه التحفيز ودعم التقدم والاستمرارية نحو المستقبل بكل قوة تملكها المدينة, فكما أن الجميع يطالب بإعادة إيصال الخدمات الأساسية المختلفة مثل الكهرباء والماء والغاز وبدء عمليات إزالة الأنقاض وأعمال دراسات المباني المتضررة وما هي الأجزاء الأكثر تضرراً من المدينة ومبانيها يجب أن تتضمن تلك الدراسات الخطوط العريضة عن ثقافة إعادة الإعمار وكيفية بث روح جديدة للمدينة تسهم في التفاؤل بمستقبلها وتضع في خططها الإستراتيجية والتنفيذية ملامح واقعية فمعرفتنا بما حدث في كل جزء من المدينة خلال أحداث الدمار أي كانت يجعل من تلك الأماكن درساً حضارياً هاماً تجاه مقدار ما قد يفعله الإنسان بالإنسان والحجر معاً كما أنها تسمح بأن يكون دور مصممي المدن ومخططيها المتخصصين في مجال إعادة ال‘عمار عميقاً وعلى درجة عالية من الدقة والذكاء خاصة حيال استخدام إنعكاسات تلك الأحداث على الواقع ليكون الهدف الأول منها هو إيصال الرسالة المتفائلة نحو المستقبل بشكل مباشر أو بأسلوب رمزي لتعزز الأمل في النفوس و ترسخ في أذهان الجميع قدرة الإنسان الهائلة تجاه تجاوز المصاعب دائماً والبدء من جديد كل مرة.

تذكرة مغادرة : يقول الكاتب أوليفر هولمز  ” الحكمة هي ملخص الماضي، والجمال هو وعد المستقبل ”.

شارك الصفحة مع الأصدقاء :