هل التراث العمراني حلم ؟؟

نعمد كثيراً في سبيل المحافظة على التراث العمراني إلى وضع أحلام قد تكون بعيدة عن الواقع ونتأمل كثيراً في أن تكون تلك الأحلام قابلة للتحقق وأن تصدق أمانينا تجاهها ولا يوجد ما يمنع ذلك ولكن المعيار لواقع تلك الأحلام هو اختبارها وتقييمها بمعيار واقعي دون الحاجة لفرضها والدفاع عنها باستماتة على أنها أنجح الحلول المستقبلية فوضع تلك الأحلام والطموحات في إطار التقييم الشامل هو أجدى وأكثر تأثيراً على مستقبل التراث العمراني وكما هو معلوم بأن الفكرة الجيدة لا تحتاج لمن يدافع عنها والواقع ليس كالأماني في شيء وصدق النوايا للمحافظة على التراث العمراني لا يكفي ليبقى التراث العمراني قائماً ومستمراً ومتفاعلاً مع ما حوله من بيئة عمرانية ومجتمع محلي .

أن المساعي الحثيثة للمحافظة على التراث العمراني والمشاريع المتعددة تجاهها لم تعالج مسالة أن المحافظة تعني تتابعاً لخطوات ومراحل عدة ولا يمكن بأي حال من الأحوال أن نسعى جاهدين إلى تحقيق آخر مرحلة من مراحل المحافظة وهي إدماج التراث العمراني بالبيئة العمرانية المحيطة والاستفادة منها واستثمارها وهي ما زلت ترنو تحت الإهمال والدمار والضياع لم تمسها أو تصلها حتى المرحلة الأولى من مراحل المحافظة وهي المحافظة العاجلة من الدمار والعبث الذي يطالها ولأننا ما زلنا لم نحافظ عليها كما يجب وما زالت طموحاتنا تجاهها عالية جداً فستبقى على حالها حتى تتساقط مبانيها الواحد تلو الآخر ونفقدها جميعاً , أن من الذكاء وضع الحلم الجميل لمستقبل التراث العمراني ولكن ليكن ضمن حدود واقعية لا تتجاهل أولويات المحافظة وأبجدياتها فهنالك مراحل هامة من المحافظة يجب أن تمر بها سواء كانت تلك المواقع بذاتها أو البيئة العمرانية المحيطة بها أو السياسات والتنظيمات الخاصة بها وتباعاً لذلك يجب أن ندرك أهمية مرور التراث العمراني بالمراحل المختلفة للمحافظة ابتداء من المعالجة السريعة إلى المعالجة الدقيقة إلى تطوير البيئة العمرانية والارتقاء بمواقع التراث العمراني لتكون المحصلة النهائية هي العمل على إدماج مواقع التراث العمراني ضمن البيئة العمرانية والاستفادة منها فإضافة إلى كل ذلك يجب أن يراعى بأن تكون كل تلك المراحل ضمن خطة إستراتيجية واضحة المعالم والأهداف وضمن مخططات إستراتيجية سواء كانت للأحياء أو المدن القديمة أو لمواقع التراث العمراني الأخرى ليتم العمل بناء عليها ولابد بأن تكون خططنا واضحة جداً تجاهها فالسعي الحثيث الذي يعٌمل عليه للمحافظة على التراث العمراني وحث المجتمعات المحلية على المحافظة والاستمرار في ذلك يبدو كأعمال جيدة ولكن دون خطة واضحة فما قد يبدو عليه الحال اليوم هو أن مصطلح محافظة أصبح فضفاضاً جداً لم يخدم التراث العمراني كما يجب وأكبر دلالة على ذلك هي الجهود المتفاوتة جداً هنا وهنالك ومن موقع إلى آخر تحت عنوان المحافظة وهذا أمر يجدر التنبه له جيداً فجهودنا متفاوتة نتيجة حتمية لخططنا المتفاوتة والتي لا ترتكز على إستراتيجية فهي في الغالب لا تضع سوى الطموح إلى النهاية الجميلة في إعادة استخدام التراث واستثماره بشكل أمثل.

مرحلية المحافظة والتطوير والإدماج أمر حتمي للمحافظة على التراث العمراني ولن تكون عملية سهلة وبسيطة بل هي عصية جداً تحتاج إلى تفكير شمولي لما يجب عمله وقرار يشرع وينظم لذلك وتنفيذ عالي الجودة .

تذكرة مغادرة : يقول الكاتب عبد الحميد عبد اللطيف :”لا تسلم نفسك لحلم يشابه الحقيقة، بل عش داخل الحقيقة التي تشابه الحلم“.

شارك الصفحة مع الأصدقاء :