فيروسات إدارية

من المعلوم تماماً أن تقدم الأمم وتطورها وتميزها يعود إلى أمور مختلفة ولكن تظل الإدارة الموجودة فيها هي المسئولة عن نجاح تلك المنظمات والهيئات والدول والأمم وكثيرا ما كان علم الإدارة محط اهتمام الكثيرين وما زال فهو علم ارتبط كثيرا بمبادئ وتنظيمات مختلفة ومدارس ثرية في التجربة والفكر وتجارب متباينة ولكن تظل أحد أخطاء الإدارة دوماً أن ضعف إحدى حلقاتها يؤثر سلباً في كافة أنشطتها فهي شديدة الترابط وما أسهل من أن تنقض تلك الحلقات المترابطة وتضعفها ففي بعض المنظمات يكفي أن تعطي صلاحيات غير مقننة لتنتج لك أخطاء لا تعد ولا تحصى وفي بعضها الآخر يكفي أن تصدر قرار بتكليف شخص ما دون المستوى المطلوب لتظهر لك عيوب تلك الأخطاء .
أن جل الأخطاء التي تحدث في الإدارة ليست في المبادئ والتنظيمات الصحيحة ولكنها في التطبيقات الخاطئة لها والتي تتسبب في وجود ثغرات تؤدي إلى إضعاف العمليات الإدارية وخلخلتها من الداخل وان بدأت متماسكة من الخارج فتلك الثغرات التي تحدث دون تنبه لها ما تلبث إلا أن تضع نتاجها الفكري بين تلك التنظيمات لتكون مفاهيم إدارية مختلفة كفيروسات إدارية تستمر في الانتشار بصمت دون أن يكون لها أثر خارجي مباشر مالم تكن تلك الفيروسات الإدارية أكثر مغامرة فتتكشف الكثير من الأمور بشكل أسرع مما هو متوقع .
تلك الفيروسات الإدارية تنتشر على مستويين الأول منها مرتبط كلياً بالإدارة البشرية ذاتها “القيادة” والتي تسببت بكل تلك الثغرات الإدارية وأدت إلى انتشارها في المستوى الثاني وهو المنظومة الهيكلية والإدارية وازدياد حجم تضرر المنظومات الإدارية من تلك الثغرات والفيروسات ومدى الانتشار فيها مرتبط بالمستوى الأول والوقت الذي لزمه للتأثير السلبي ولذلك دوماً ما تأتي الحلول العاجلة لتعالج المستوى الأول منها بتغيير القيادة على آمل أن يحدث ذلك أثراً في المستوى الثاني والذي قد يصعب معالجته نظرا للمبادئ والتنظيمات الصحيحة التي تعتمد عليها ولذلك يلجأ البعض في تسريع عملية التصحيح إلى تجاوز تلك المبادئ والتنظيمات الصحيحة للإدارة وكسرها لإصلاح أضرار وخلل سابق ولكن دون إدراك أن ذلك التجاوز سيؤدي مستقبلا إلى ثغرات جديدة وفيروسات إدارية جديدة ووضع إداري مترهل جداً لا يخرج بنتائج فعلية حقيقية على المدى البعيد ولعل كثيرا من تلك الحلول لا توضع تحت التمحيص والتأمل فالصورة الحقيقة لأي منظومة هي خلاف ما نعرفه تماماً عنها بل أن بعض المنظمات تعمد إلى رسم صورة ذهنية دون أن تكون واقعية فهذا كمن يبني قصراً من الورق أضف إلى ذلك إن مسالة اختيار القيادات في المستوى الأول هي الأخرى مصابة ببعض الفيروسات الإدارية والتي يتطلب علاجها حكمة وقوة في الحق .
تذكرة مغادرة : يقول الشيخ محمد متولي الشعراوي رحمه الله “والظالم حين يظلم لا يأخذ حق غيره فقط ، بل يُغري غيره من الأقوياء على أخذ حقوق الضعفاء وظلمهم، وإذا انتشر الظلم في مجتمع تأتي معه البطالة وتتعطّل حركة الحياة كلها”.

شارك الصفحة مع الأصدقاء :