المدن الآمنة

ارتبط بناء الإنسان للمساكن منذ العصور الغابرة إلى تحقيق عنصر الأمان فيها وهكذا تعلم الإنسان المحافظة على نفسه من المخاطر المحدقة به وذلك بتطويع الطبيعة من كهوف وأشجار لخدمته وحتى حينما أنشئت المجتمعات ما نعرفه اليوم بالمدن كان الأمان هاجساً للإنسان فأنشئت القلاع والبوابات المنيعة والأسوار العالية والمتعددة حول المدن لحماية أهلها من الاعتداءات  أو الحروب وحتى أن بعض المدن القديمة كانت لها قوانين صارمة في مسالة الدخول والخروج من المدينة وتشدد تلك القوانين في أوقات الأوبئة وانتشار الأمراض خشية من انتقال الأمراض إليها وكذلك حينما توسعت المدن وزاد عدد سكانها وأصبح غالبهم خارج الأسوار القديمة وتعددت نشاطات السكان أخذ في الاعتبار من المخططين الأوائل أن  تكون المدن آمنه ويسهل السيطرة على أي فعل غير طبيعي بداخل المدينة من خلال تحديد المداخل أو المخارج لها وذلك لفرض السيطرة والسلطة وحماية للأرواح والممتلكات من أي اضطرابات أو اعتداءات قد تحصل وحتى أن المناطق المنخفضة الكثافة في المدن أو الطرفية كانت تعطى خصوصية لمجموعات معينة ليتمكن من خلالها من معرفة الغرباء القادمين من خارج المدينة وكذلك التنبيه منهم بإشارات ورموز متفق عليها مسبقا .

أن المتتبع إلى عملية تطور المدن يأخذنا إلى تأكيد أمرين رئيسين بخصوص إنشاء المدن ونموها واستمرارها أولها أن المدن كانت تتطور لخدمة ساكنيها ولهذا كانت تطوع الطبيعة من حولها من أجل ساكنيها وبمقدار لا يضر معه مستقبل المدينة فتحافظ على الطبيعة لتعطي الاستمرارية والأمر الآخر هو الأمان وهو أحد الأسباب الرئيسية الداعية إلى اختيار مدينة عن سواها من المدن للسكن فقد مارس المخططون الأوائل وضع النظريات التخطيطية للمدن كالانتشار والتمركز اخذين في الاعتبار كثير من الأمور التي تخص تخطيط المدن ولكن الجانب الأمني للمدينة كان يغلب كثيرا عليهم لأهميته خصوصا بالمخططات التي اتبعت نظرية التمركز في تخطيطها ولكن مع دفع عجلة التنمية والنمو وتسارعه في المملكة العربية السعودية غلب استخدام نظريات الانتشار على حساب نماذج المدن التي تتبع نظرية التمركز فأنتجت لنا مدن متسعة وبمساحات شاسعة وأهمل خلال هذا الوقت عدة جوانب على سبيل المثال القدرات البيئية والاقتصادية والبنية التحتية للمدينة وكذلك العديد من الجوانب المعنية بالمدن وبالتأكيد منها القدرة الأمنية فالأمن مرتبط بالتخطيط بشكل وثيق ولا يغني عنه استخدام الحلول البديلة أو المؤقتة ولذا فالأولى بنا أن نفكر مليا في مدننا ونحلل موقفها وقدراتها فلسنا ببعيد عن أحداث شغب الإثيوبيين التي حدثت في عدد من مدن المملكة العربية السعودية .

الانتشار والنمو العمراني في المدن السعودية
الانتشار والنمو العمراني في المدن السعودية

التخطيط ميثاق للحياة بالنسبة للمدن وعشوائية التخطيط هو قتل صامت لها ولسكانها والطريق إلى المدن الآمنة ليس صعبا ولكنه ككثير من الأمور لن تنال بالانتظار بل بالمبادرة فنحتاج لتحقيقها إلى نظرة بعيدة المدى وخطط إستراتيجية طموحه تراعي فيها المؤثرات والعوامل الخارجية والداخلية لتنشئ رؤية ثاقبة ورسالة واضحة يتبناها جميع من يتعامل مع المدينة وتحدث باستمرار لتكون عنوان المدينة المستقبلية .

أمنية :  أن أرى مدننا آمنة بذاتها قادرة أن تتعامل مع تحدياتها . 

شارك الصفحة مع الأصدقاء :