سراب التخطيط العمراني !!

هل أدركت يوماً أن الحديث عن التخطيط العمراني وأنظمته المطبقة لدينا سيكون مشابهاً للحديث عن السراب تماماً في كل شيء, نراه ولا نجده نتبعه ونتعامل بأنظمة نتحدث عنها ولا نتلمس أثرها ومنافع تطبيقها بل أصبح الاستثناء فيها قاعدة فتبقى مؤشراته تحكي واقعاً لا يتقبله أقل المختصين خبرة وممارسة ولكن حري بمن يؤكد على قدرة أنظمة التخطيط العمراني ولوائحه المعمول بها حالياً على أنها الأنفع لنا أن يطلعنا على إيجابياتها فنحن لم نعد نتلمس ونرى سوى أن مشاكل المدن تبقى زمناً طويلاً دون معالجة وتستمر في التفاقم والتعقد وتظهر المشكلات والظواهر المختلفة سواء على المدينة أو ساكنيها وتضخ لها المليارات لحل تلك المشكلات دون أن ندرك أننا نصنع ذات المشكلات للمستقبل فنحن فقط ننقلها لزمن آخر جراء تلك القراءة البسيطة والخاطئة لما يجب أن تكون عليه أنظمة التخطيط العمراني ومفاهيمه في مدننا وما هي المشكلات التي يجب أن نعالجها وعلى أي عمق يمكننا طرح الحلول ومناقشة السياسات التشريعية لأنظمة التخطيط العمراني .

التساؤل الملح بالنسبة لي دوماً هو هل هنالك أدراك بأن المشكلة ليست سوى أن تلك الأنظمة وضعت لمكان يختلف تماما عما لدينا وحتى حينما أصبحت تلك الأنظمة واقعاً لم تجد من يفعلها ويطبقها بالشكل الصحيح وحينما أستصعب تطبيقها لم يتغير شيء جوهري بل وضعت لها الاستثناءات لحاجات مؤقتة فتفاقمت على ضوئها تلك المشكلات الصغيرة والتي كانت مختبئة أو واضحة وجعلتها تستشري في جسد المدن ونسيجها العمراني فتلك الأنظمة لم تخضع لتكون مقياساً صحيحاً أبداً وكل مدينة خرجت عن سياقها بسبب أو بآخر نجحت في تشكيل نسيج عمراني يخدم الإنسان ويحترم المكان ولو بشكل بسيط ومحدد .

أن أنظمة التخطيط العمراني المعمول بها حالياً هي عبارة عن سراب أجهد الجميع من دون أن يحقق منفعة سوى للقليل ودون مراعاة لاحتياجات البقية وطموحاتهم وآمالهم ومستقبلهم بل وتسببت بالإضرار في حاضرهم والاستمرار في ذلك بلا شك سيفاقم من المشكلات ويظهر تلك التي قد تكون مختفية منها الآن ولكنها مع ذلك ستظهر لا محالة مستقبلاً فالأثر لكل خطأ يحدث الآن لا يظهر في المدن سريعاً وكذلك المعالجة له لن تظهر نتائجها سريعاً إلا أن بعض الأخطاء الفادحة سيكون من الصعب معالجتها بشكل كامل وستبقى أي جهود في ذلك الشأن هي مجرد محاولات عبثية ستؤرق المدينة وساكنيها ولن تكن في نفس جودة المدن التي شكلت وأسست على مبدأ احترام الإنسان والمكان بشكل أساسي كما أن أي تعديلات مستقبلية لأنظمة وتشريعات تخطيطية ستحدث دون تكامل مع العديد من الأنظمة الأخرى ودون مراعاة لما هو واقع فعلي ودون حديث صريح وبعمق عن واقع المدن وكشف لكثير من التفاصيل لن تحل أي مشكلات حالية أو مستقبلية وما سيحدث فقط هو وضع المدن في دوامة جديدة من أنظمة تعزز مكاسب القليل وتزيد من معاناة الكثير.

تذكرة مغادرة : يقول الكاتب والروائي السعودي عبده خال : ”إن السراب أحد الدلائل على الكذب المنظور الذي تمارسه الحياة معنا“ .

شارك الصفحة مع الأصدقاء :