عمران المدن والتأثيرات الإنسانية

أعتمد النشاط العمراني في نشأة المدن قديما وأرتكز بمسبباته على عوامل متعددة أسهمت في نشأة المدن وتطورها وحضارتها وبالتأكيد أن هذه العوامل مجتمعة ارتبطت بالمواد الأولية والموارد والثروات الطبيعية المتوفرة لها حسب الطبيعة والموقع الجغرافي لها وساهم في نشأة المدن قدرة الإنسان على تطويعه لهذه الموارد الطبيعية المتوفرة واستفادته منها , إلا أن هنالك عوامل أخرى كان لها أثرها الواضح في عمران المدن ومنها على سبيل المثال العامل الاجتماعي والديني والثقافي فتأثرت المدن القديمة بها وبات ذلك واضحا من خلال إعطاء المباني ذات الاستخدامات الاجتماعية او الدينية والثقافية أهم وأفضل المواقع وتركزها في أواسط المدن لتكون نقطة التقاء لكافة القادمين من أنحاء المدينة وكذلك أضيف لها الاهتمام الدقيق بالتفاصيل وكمال الحسن في اختيار أفضل معماري العصر وأرقى الفنون المعمارية وأتقن الأيدي الماهرة لتصبح هذه المباني منارات واضحة على الأرض حيث عرفت بعض المدن من خلال عمارة مبانيها .

أن المدينة الإسلامية على سبيل المثال كجزء مهم ومؤثر في نشأة وتطور المدن على مستوى العالم قد حظيت بمثل هذا التطور والرقي والتقدم والحضارة والذي أنعكس عليها بسبب تأثر المعماريين الأوائل بالعوامل المختلفة للطبيعة والبيئة من حولهم وكذلك تأثرهم بالعوامل الأخرى والتي منها ما أوردته مسبقاً, فتعاملت المدينة الإسلامية مع العامل الاجتماعي كجزء من هذا التأثر عبر الاهتمام بالتفاصيل الدقيقة لمساءلة الخصوصية وأساليب توزيع الفراغات الداخلية والخارجية وطرق تنفيذ الأبواب والنوافذ سواء للرؤية أو التهوية وكذلك تأثرت مهنية المعماري القديم واهتمامه بالعامل الأبرز تأثيرا في المدن الإسلامية وهو العامل الديني والذي اقتبست من خلال النصوص الشرعية والقواعد الفقهية وضمنتها للعمارة العامة أو الخاصة ومنها على سبيل المثال لا الحصر الحديث الشريف عن الرسول صلى الله عليه وسلم : “لا ضرر ولا ضرار” والذي أخذ كقاعدة فقهية في العديد من الأمور التي تختص بعمارة المدن مع استمرار هذه القواعد الفقهية في معالجة المشكلات والقضايا التخطيطية للمدن إلى اليوم إلا إن أهمية العامل الثالث تطغى في حجم التأثير المباشر الذي تركز على المدينة الإسلامية وعلى سواها من المدن القديمة فالعامل الثقافي لم يكن أقل أهمية ولا أضعف حضورا وتمثل بعدة أوجه فلا يصح استبعاد احدى هذه الوجوه لعدم القناعة به فكان هنالك التأثير الصادر عن الأديب وعن المعلم والرسام والشاعر والفنان التشكيلي ومن في مقامهم من الأطياف الثقافية المتعددة .

أن نشأت المدن كانت بسبب الموارد الأولية والثروات الطبيعية كعامل رئيس لها ولكن استمرارها وبقاءها سيكون بسبب العوامل الأخرى التي تراعى الإنسان وتحترم ثقافته وإنسانيته.    

شارك الصفحة مع الأصدقاء :